قصة زيد
كان زيد شابا مستقيما يعفي لحيته ويقصر ثوبه إلى أنصاف الساقين ويلبس العمامة اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كان يحافظ على قيام الليل، ويحافظ على أذكار النوم والاستيقاظ، ولا يضيع أذكار الصباح والمساء أبدا، وكذا فهو يحافظ على أذكار دخول المسجد والخروج منه، ودخول البيت والخروج منه، والخلاء والسوق والركوب والسفر، ويحرص على ذكر اسم الله سبحانه قبل شروعه في أي عمل، ويحرص على الإكثار من الدعاء والاستغفار.
وهكذا كان ذكر الله لا يكاد يفارق لسانه في أي لحظة، ويستحضر في كل لحظاته وصايا النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرته، فيصوم الإثنين والخميس ويحافظ على السنن أدبار الصلوات المفروضة.
كما يحرص على مجالسة العلماء الورعين ورثة الأنبياء عليهم السلام، ويستنصحهم ويستشيرهم ويسألهم عما أشكل عليه في أمور دينه بل ودنياه.
كان يغض بصره إذا مشى في السوق، وينزه سمعه عن اللغو والإثم والملاهي المحرمة، وويتورع أشد الورع عن محارم الله وعن الشُّبَه، ويتوكل على الله في كل شؤونه موقنا أنه لن يتوفق بدون ذلك، وينسب كل نجاحه إلى توفيق الله، وإن حصل له فشل أو سوء فإنه يراجع نفسه ويستغفر ويتوب إلى الله سبحانه، وينسب ما يصيبه من مكروه إلى تقصيره في جنب الله، بلا إهمال للأسباب ومسبباتها.
وذات يوم تعرف زيد على جماعة من الناس يدعون إلى التحرر من التبعية والتقليد الأعمى، وقد تنبهوا إلى كثرة ما دس على النبي عليه السلام من مرويات، فرأوا أنه لا مناص لهم من الاعتماد على أنفسهم وعقولهم.
فتغيرت بعدها حياة زيد..
أصبح زيد الآن حليق اللحية لأنه رأى أن صورته تكون مهذبة وأجمل بهذا، أما أمر محمد بن عبدالله الهاشمي فهو غير متأكد من صحته، كما أن "عقله" لم يستسغه.
وكذا بالنسية إلى العمامة وإلى تقصير الثياب، ترك كل ذلك لأن "عقله" لم يستسغ مغزى ذلك.
أما الأذكار فلا تسل عنها، فزيد أصبح يرى الآن أن الإسلام ليس دين دجل وشعوذة وتعاويذ وتمائم، فأصبح يعتمد على نفسه في أعماله، ويفرح بما أنجزه إن هو توفق، ويراجع حساباته إن أصابه فشل، ويزيد من حذره في المرات القادمة إن أصابه مكروه.
ولم يعد لذكر الله مكان في حياة زيد إلا حال الصلوات المفروضة.
وماذا عن السنن وقيام الليل؟!
لم يعد زيد مهتما بها، فما تواتر هو فقط الصلوات الخمس، وما عدا ذلك فلا ندري عن حقيقته، وأما قيام الليل الوارد في القرآن الكريم فلا بد أن المقصود به مواصلة العمل، وليس الصلاة والذكر.
وسلّم على الإثنين والخميس، فما ورد في القرآن هو صيام رمضان فقط، أما الإثنين والخميس فلا بد أنهما من دسائس أهل الكتاب ولا مكان لهما في الإسلام.
وصار زيد إذا واجه إشكالا في دينه فإنه يعمل "عقله" ويجتهد بنفسه، ثم يتبع ما يمليه عليه "عقله"، ولا يعول على كلام العلماء، إذ كثير منهم مقلدون لمن سبقهم، وعقولهم مجمدة ضحلة لا تصلح لهذا العصر، ولم تصل إلى حقيقة الإسلام.
ولم يعد زيد يخجل من أي منظر، ولا يصفي سمعه، فالمهم عنده سلامة القلب ولا حاجة لكل تلك التعقيدات من غض بصر وتنزيه سمع. بل إن ما حرمه أصحاب التقليد والمرويات قد وُجد أنه يبعث الراحة النفسية، وبعد مدة صار يقدمه على الاستماع للقرآن، فلا ينبغي تلحين القرآن والغناء به، فصارت الأنغام هي البديل له.
وتعال إلى القرآن وما فيه، فإن كثيرا منه لا دليل عليه ولا يستسيغه العقل، فمن غير المعقول أن تتحول عصا إلى ثعبان، أو أن الموتى يمكن إحياؤهم، أو أن امرأة قد تلد بلا وصول حيوانات منوية إلى رحمها لا بالمعاشرة الطبيعية ولا بالتقنية الطبية.
وأمور مثل الجن والملائكة هي من الخرافات الموجودة عند بعض الأقوام.
لذا صار زيد يعمل عقله في هذه الأمور، ومما توصل إليه مثلا أن الملائكة ما هي إلا الظواهر الكونية من أمطار وزلازل، وليس كما تصوره أهل العقول البسيطة من أنها مخلوقات نورانية لها أجنحة وما إلى ذلك من التخاريف.
ويتبع ذلك مسألة آدم، فالجامعات العالمية أصبح من المسلّم لديها أن المخلوقات جميعا بدأت من خلية واحدة وانقسمت منها بعد ذلك، ولا مكان لخرافة أول إنسان على الأرض، فلا بد أن آدم المذكور في القرآن رمز لأمر معين لم يُرد لذاته.
وهكذا تُحمل جميع آيات القرآن الموهمة مثل هذه التخاريف، فلا سلطان إلا العقل والعلم، ولا يمكن التصديق بغير المحسوس!
وهكذا استمر زيد على هذا المنوال وهو يتطور عبر مراحل هذا النهج، وذكر الله يتناقص على لسانه، وبعد أن كان أمر رسول الله صلى عليه وسلم مطلقا ووحيا من عند صار هناك شك في صدوره منه أصلا، ثم بعدها تطور إلى أن أمره غير ملزم لنا فهو ليس إلا محمد بن عبدالله الهاشمي وما نلتزم به القرآن فقط،، وهكذا في بقية الأمور يتطور أكثر فأكثر، والله أعلم بنهاية هذا الطريق...