«حلوى السيفي» .. شهرة عريقة ولذة لا تقاوم
سيف السيفي: في المراجل خبرة 35 سنة من العمل وسر الجودة -
نزوى : محمد بن سليمان الحضرمي -
إذا ذكرت الحلوى اللذيذة في مدينة نزوى، فستأتي حلوى السيفي في الصدارة، حتى أصبح لها زبائنها الخاصون، يكثرون يوما بعد يوم، فكل من تذوق طعمها سيعود لشرائها، وبمرور الأيام اصبحت “حلوى السيفي” في صدارة المائدة العمانية، وتقدم خلال أيام الأفراح والمناسبات الاجتماعية والدينية، وحتما للشهرة قصتها الخاصة، ولذلك حاولنا في هذا الاستطلاع أن نكتشف أسرار صنعة الحلوى، من صانعها الأول، سيف بن شامس بن محمد السيفي، ليسرد لنا خبرة 35 سنة مع هذه الحلوى الشهية، التي وصلت إلى مكاتب معظم السفارات العمانية في الخارج، وحتى يكتمل اللقاء قمنا بزيارته في مصنعه، الذي يقع بين ضواحي النخيل، خلف قلعة نزوى الأثرية، وهناك يتوارى مصنع السيفي، وهناك تصنع هذه الحلوى الشهيرة.
الزائر لمصنع السيفي يستقبله مكتب، فيه كل أصناف العلب التي يرغب في شرائها، إلى جانب أنواع الحلوى التي سيختارها، البيضاء المصنعة من السكر الأبيض، والحمراء المصنعة من السكر الأحمر، وأفضلها الحلوى الخاصة، التي لا تختلف عن بقية الأنواع السابقة، إلا في زيادة مقادير أخرى، كالزعفران والمكسِّرات، وعليها يقبل الكثير من المشترين في الأفراح والمناسبات الخاصة.
خبرة 35 سنة
في ذلك المكتب التقيت بصاحب المصنع سيف بن شامس السيفي، الذي يعمل في صناعة الحلوى منذ 35 سنة، وقبل ذلك تغرَّب عن الأوطان في طلب الرزق، وسافر إلى المملكة العربية السعودية، ومملكة البحري، وأبو ظبي، لكنه عاد مع بدايات النهضة، وعمل في صناعة الحلوى، وكانت بدايته مع سعيد بن سالم العدواني، أحد صناع الحلوى في نزوى، فاستفاد من تجربته وخبرته، وتعرَّف على المقادير المطلوبة، وكيفية مزجها ببعضها البعض.
وبعد سنوات شعر السيفي بضرورة الاستفادة من خبرته التي اكتسبها من العمل في مصنع العدواني، فاشترى مرجلا، وبدأ في صناعتها بالتعاون مع أسرته الصغيرة في منزله، وكان كل يوم يأخذ ما يصنعه إلى السوق، ولا يعود بشيء، وسنة بعد أخرى تطورت تجربته في صناعة الحلوى، وأصبحت له مقاديره، واكتشف بنفسه أسرار حلواه الخاصة.
الاتقان في العمل
سألت الشيخ سيف عن سر شهرة الحلوى لديه، فأجاب: الإخلاص والاتقان، فمن أتقن صناعته، وكأنما يصنعها لنفسه فسوف يصنع الحلوى التي تلذ له، كنت في كل مرجل أشعر أن هذه الحلوى أفضل من سابقتها، وكانت تنضج أمام عيني على نار السُّمر، وأقلب المرجل بيميني، كنت أعمل في الفجر، وأقطع الليل في صناعة الحلوى، حتى إذا ما أذن الفجر، كانت الحلوى جاهزة في أوانيها، وكنت أسعى بها إلى السوق، وأعود وقد بعت كل ما صنعته.
ويضيف أيضا: الرزق من الله، وعلى الإنسان أن يعمل بنية حسنة، ليس من أجل الكسب فقط، بل خدمة للآخرين، فهذه صناعات بحاجة إلى ضمير يقظ وإخلاص في العمل، مثلما هي بحاجة إلى مراقبة ومتابعة وإتقان، حتى تستوي الخلطة، وتأتي الحلوى شهية.
ويضيف السيفي أيضا: جودة المقادير، وطريقة مزجها ببعضها البعض، والمدة التي تستغرقها حتى تستوي، لها علاقة في تقديم حلوى فاخرة، نحن نستخدم ماء مقطرا خاليا من الأملاح، ومقادير نظيفة وذات جودة عالية، بدءا من النشا الجيد، والسمن البقري، ونوعية السكر الذي نشتريه من المزارعين، والطبخ بحطب السُّمر.
13 مرجلا بأذرع آلية
بعد حديث مع السيفي، ذهبت في جولة داخل المصنع، الذي يبدو فيه كل شيء منظما، بدءا من حطب السمر المصفوف بأناقة، ثمة قاعة كبيرة بها 13 مرجلا، يحرك كل مرجل ذراع آلي يعمل باستمرار، مراجل من النحاس، كبيرة الحجم، تسع أكثر من مائة كيلوجرام.
دخلت المصنع، فكان عماله أشبه بخلية نحل، الكل مشغول بما أوكل إليه من مهمة، المتابعة، وتحضير المقادير، والاشراف على الأذرع الآلية، وتحضير الأواني الخاصة بالحلوى بعد تفريغها من المراجل، الكل يدا واحدة، العمل لا ينتهي لدى موظفي المصنع مادامت الطلبات تتوالى عليهم، في الأيام الهادئة يعمل في المصنع عشرون موظفا، أما في أيام الذروة فيصل عددهم 50 موظفا.
في مصنع السيفي لا مجال لدخول أدخنة الحطب، كما لا مجال لأي خطأ، كل شيء مدروس ومنظم، وهذا سر الصنعة التي يتميز بها عن غيره، وخلال سنوات عمله في المصنع، استطاع سيف السيفي أن يهيء أولاده للعمل معه، وهم اليوم عصب العمل في مصنع السيفي، حيث يعمل معه أربعة من أولاده، اكتسبوا من أبيهم خبرة واستجابة سريعة للعمل، وكوَّنوا علاقات مع الناس، كما اكتسبوا مهارة التسويق، فصنعوا أواني خشبية على شكل خنجر أو قلعة، واستخدموا الأواني الفخارية التي تحمل شعارات تراثية، وحول هذه الأواني الخشبية والفخارية يرى شامس بن سيف السيفي أن فيها تسويقا لمفردات تراثية عمانية، التي أصبحت حاضرة في الموائد، ويرى سلطان بن سيف السيفي أن الحلوى أصبحت حاضرة خارج السلطنة، ويقبل الناس على شرائها كثيرا.
صالحة للأكل ثمانية أشهر
في أيام الذروة، وهي أيام الأعياد، ينتج مصنع السيفي في اليوم الواحد 350 دستا، كل دست بسعة 20 كجم، وهذا انتاج وفير قياسا بالغير. يقول سلطان السيفي: إن العمل في المصنع لا يتوقف طالما لدينا طلبات من زبائن، نحن نلبي كل الطلبات بنفس الجودة، ولا نتنازل عنها، هي شعارنا الدائم الذي نفخر به، ونضمن لمن يشتري حلوى السيفي أن تبقى صالحة للأكل ثمانية أشهر دون أن تفسد.
في غرفة أخرى من مصنع السيفي للحلوى العمانية، وقفنا عند قشد السمن، وذلك باستخدام السنوت المُحَمَّص، ولكل مرجل مقدار معين من السمن.
وفي غرفة أخرى يتم تخزين الحلوى الجاهزة، لتبقى بأغطية مفتوحة حتى تبرد، وفي ذلك الوقت تحفظ داخل صناديق خشبية. خلال الساعة التي بقيت فيها داخل مصنع السيفي للحلوى العمانية، أحسست برغبة كل أفراد المصنع في العمل بأناقة، من أجل أن تبقى الحلوى محافظة على لذتها